وشيٌ من الصباح الجميل

مدونة لـ: ريم الناصري

14 ليلة في الهند

١٨ أغسطس ٤:٤٥ مساءاً – دلهي الهند

هبطت الطائرة قبل غروب الشمس، بعد يوم طويل لم يخلو من الركض والدعوات أن تتم الرحلة بسلام، تأخرت  طائرة الذهاب من بريدة إلى الشارقة لتصل وقد انتهى الوقت المحدد بينها وبين الرحلة التالية إلى دلهي .. حدث ما كنا نخشاه!

 نزلنا من الطائرة على عجل، بحثاً عن أمل وهرباً من القلق والتفكير .. لنسمع من بين الحشود منادٍ ( دلهي دلهي ..)

في الثامن عشر من أغسطس 2017  سافرت إلى “الهند”، و حتى اليوم أشعر بالهلع عندما أكتب عن الرحلة. هل أكتب بمقياس التجارب أم الأيام أم المدن أم التاريخ ؟ لم أدون رحلة كاملة من قبل أو لأكون أكثر إنصافاً، هذه الرحلة ليست كأي رحلة ذهبتها من قبل . 

كانت الهند بقائمة البلدان الحلم التي أود زيارتها في المستقبل، و “بالمستقبل” لا أقصد أي وقت قريب .  في تلك الليلة اقترح والدي أن أرافقهم في السفر إلى الهند مع أختي البتول وأخي بدر، لن أخبركم عن سعادتي وحماسي للفكرة ! خصوصاً أنني في حينها ليس لدي أدنى فكرة عن الهند وتنوع بلدانها وثقافاتها غير تلك التي لدى الغالبية. كنت مستعدة تماماً لرحلة مليئة بالدهشة والإلهام 
لن أخفيكم أنني لازلت حتى هذه اللحظة أتخبط في بعض المعالم التاريخية والدينية التي زرناها، حمداً لله على مذكراتي اليومية في الرحلة هههه ،  إن دل هذا على شيء فهو أن هذا البلد موسوعة تاريخية ضخمة لن تكفيها الأيام ولن تحصيها ذاكرتي البسيطة. لذا قررت أن أوثق الرحلة بناءاً على التجارب والمشاهدات التي زادتني دهشة وإلهام .

الهند .. عمر من الدهشة

كنت أفكر بالسبب الذي سحر والدي بالهند .. ثم سحر قلبي بعده .. بالسبب الذي جعلني أتردد في كل مرة أحاول فيها الكتابة عن الرحلة  .. 

عندما يسألني أحد مالذي جعلك تذهبين إلى الهند ؟ إلى الهند !!؟ كان أقرب إجابة تأتيني هي تنوع البلد واختلافه الذي يسحرني في كل مكان أذهب إليه .. ولكن ماهو السبب الذي يجعل هذا التنوع والاختلاف يسحرني ؟ فكرت كثيرا حتى أدركت أنها أحيت الدهشة والتأمل فينا .. هي بالطبع مألوفة بعيون أهلها و غالباً ليست ساحرة في عيون كثير من الناس .. لكن لا أعتقد أن هناك بلد أخر قادر على جعلي أعيش في رحلة يومية من حبس الأنفاس و الدهشة و التأمل لكل شي .. من عظمة التاريخ إلى بساطة الواقع .. من التنوع الكبير .. كنيسة ومسجد ومعبد بنفس الشارع .. العدد الكبير للبشر المكافحين من أجل طعام اليوم .. البقرة والفيل والقرد والفأر والمجسمات الحجرية كلها تجسيد لعدد لا منتهي من الألهة .. إله  للشمس و الحب و النار و و ألخ ..

بالرغم من كون الرحلة مرتبة على برنامج سياحي معد مسبقاً لمعالم تاريخية كثيرة .. للمسلمين و للهندوس .. إلا أن هذا الأمر لم يزدنا إلا دهشة .. نفس عميق وعيون واسعة وابتسامة لا تتوقف كل يوم ..

أليس الأمر يدعوا للتأمل ؟

أسباب السفر لدى البشر كثيرة ومختلفة ،، هناك من يفضل الاستجمام  .. وهناك من يرتبط عاطفياً بمكان ما وكأنه يشبهه ويفضل زيارته بشكل متكرر .. هناك من يزور من أجل متعة التسوق .. وهناك من يزور من أجل البحث عن ذاته .. من أجل الإجابة عن بعض الأسئلة .. وهناك من يتأمل عميقاً بالتاريخ الذي حدث في هذا البلد .. و هناك من يذهب من أجل عدة أسباب لكي يستعيد روح الدهشة في قلبه ..

خطة الرحلة 🙁 دلهي – أجرا – أودايبور – ماونت أبو – جودبور – جايبور )

١٨ أغسطس- دلهي

أول شيء سأتذكره على الدوام هو رائحة مدينة دلهي عند خروجي من باب المطار! رائحة تشبه عدة مدن في مدينة واحدة. تمنيت حينها لو كانت هناك علبة سحرية تحفظ رائحة الأماكن.

كان المشهد عبر نافذة السيارة يشبه شاشة فلم كبيرة، لا تتوقف عن جذب انتباهي وحواسي ، “التكتك” و “العجلات النارية ” بلا منازع سيّدا طرقات المدينة، الحيوانات أيضاً لا تقل أهمية عن الجميع .. الأبقار تشارك الأخرين عبور الطرقات .. والفيل بخطواته الواثقة شريك مرحب به في الطريق السريع! 

في الصباح التالي سبقنا على عجل رجل خمسيني في دراجته النارية يتوسط حضنه حمولة أوراق ضخمة ويتشبث بها بواسطة ذقنه، يبدو أنها بريد مستعجل! ليس هذا فحسب، بعد دقائق لحق به آخر يحمل خلفه برجاً من الكراسي البلاستيكية! أعني .. كان الأمر يبدو طبيعياً تماماً !!. كنت أعتقد أني رأيت ما يكفي من العجائب ليوم واحد لأكتشف أن الرحلة لم تبدأ بعد ..

باتجاهنا نحو المسجد الكبير عبرنا بجانب دلهي القديمة بأزقتها التي يحييها مجموعة ضخمة من موصلات الكهرباء، كلعبة خيوط سحرية متشابكة يصعب حلها! يعتقد مرشدنا السياحي أن مهندس الكهرباء في دلهي القديمة ذو قدرات سحرية! بل أكثر من ذلك.

في وسط المدينة،  في الطريق المقابل للمستشفى العام في مدينة دلهي، كانت ملابس مرافقي المرضى منشورة، في كل إتجاه تقع عليه عينيك !

أن ترى ليس كأن تسمع، هذه هي الهند ببساطة.

٢٠ أغسطس- أجرا

منذ اللحظة الأولى في شوارع أجرا تشعر أنك أقرب للهند بصورتها الخيالية بذهنك .. شوارع بسيطة مكتضة، دكاكين المرطبات وبائعي الموز، كفاح الحياة لا يفرق بين عمل مسنة كبستانية أو حاملة صخور وأحجار!

أجرا محطة تاريخية مهيبة و جامحة، تسأل نفسك: كيف شيد امبراطور المغول شاه جيهان ضريح زوجته ممتاز محل، المعروف بـ( تاج محل ) ؟ كيف لهذه التحفة الهندسية أن يتم صنعها قبل ٤٠٠ عام ؟! بعد زيارتها فهمت سبب كونها من عجائب الدنيا السبع! .. المبنى ضخم و صمم بمعايير هندسية فنية دقيقة .. كل إتجاه يقودك للداخل يخرجك على إطلالة محدده ، حيث أن كل زاوية تطلعك على كيف كان يبدو عصر المغول وكيف كانت القوة الاسلامية سابقة زمنها في ذلك الوقت ؟ كم من حياة كانت هنا ؟ كم من قصة حدثت على هذه الأرض ؟

٢٣ أغسطس – ماونت أبو
محطة في منتصف الرحلة للتروي والاسترخاء .. بلدة صغيرة في أقليم راجستان وسط الطبيعة أعلى جبل أبو .. جوها لطيف وأهلها طيبون بسيطون .. 

في طريقنا إلى أعلى قمة الجبل توقفنا على جانب الطريق لزيارة مكان يدعو للتأمل! صومعة متعبد هندوسي زاهد داخل صخرة عمرها فوق ٢٠٠٠ عام، يعيش داخل هذه الصخرة بأدوات بسيطة بعيداً عن صخب الحياة ومقاطعات البشر.

٢٦ أغسطس – أودايبور

٢٧ أغسطس – جودبور المدينة الزرقاء

بعد عدة أيام من الاسترخاء في ماونت أبو أودايبور، انطلقنا نحو جودبور ثاني أكبر مدينة في إقليم راجستان -الهند، ما أتذكره تماماً هو درجات اللون الأزرق الذي يغطي بيوت المدينة، ما جعل مشاهدة المدينة تجربة مدهشة هو صعودنا نحو حصن مهرانجار أعلى قمة في جودبور الذي أعطى مشهداً بانورامياً لا ينسى للمدينة.

في المساء والصباح كنا نستمتع بسماع نغمات الأغاني الراجستانية الصوفية في بهو الفندق، الألحان تحمل روحاً عربية، كما أنهم يستخدمون آلة موسيقية تصدر صوتاً شبيهاً بالربابة، الموسيقى تسمى ( Udja kale kawa instrumental,Rajasthani folks )


٢٨ أغسطسجايبور المدينة الوردية

انطلقنا بعدها إلى عاصمة راجستان – جيبور، عبر القطار.  رغم أنها لم تكن مريحة، إلا أنها من أكثر التجارب التي استمتعنا بها ولم نندم على تجربتها. لم أرى هذا العدد من السكك الحديدية والقطارات بمكان واحد من قبل !. الجميع في كل مكان ينتظرون رحلة ما.

انطلقت الرحلة واكتشفنا أن القطار يتوقف لبضع ثواني كل حين لإنزال ركاب في القرى الصغيرة عبر الطريق. التنوع والاختلاف والتجارب الجديدة هو ما يجعل هذه التجارب لا تنسى.

حصن عامر أو حصن العنبر والفيلة حرص والدي على الذهاب إلى حصن عامر لتجرب ابنتي نورة ركوب الفيلة، كانت تبلغ 5 سنوات في حينها وستكون بالتأكيد تجربة ممتعة وذكرى تبقى معها.

خزانات المياه الضخمة المصممة بشكل مذهل panna meena kund في الطريق عبرنا بجانب هذا المعلم الغريب، وهو خزان صنع في القرن السادس عشر لجمع مياه الأمطار، وقد صمم بهذه الطريقة ليتسنى لأكبر عدد من نساء المنطقة النزول وتعبئة الماء في وقت واحد

احتفالات الطريق بمهرجان غانيش تشاتورثي Ganesh gathering 

صادفت رحلتنا احتفالات هذا المهرجان، لاحظناه بشكل واضح في القرى التي نعبرها بين المدن، ألوان في كل مكان والجميع يرقصون ويغنون بالسيارات أو على جانب الطريق، بعد البحث علمنا أن هذا الاحتفال هو مهرجان هندوسي يقام تكريماً للآلهة غانيشا وهو واحد من أشهر ألهة الهندوس وأكثرها عبادة، تستمر الاحتفالات لمدة 10 أيام وغالباً ما توافق شهري أغسطس وسبتمبر. 

٣٠ أغسطس- العودة إلى دلهي

يومنا الأخير للإسترخاء في دلهي 

متعة الأشياء الأولى 

إن كنت تبحث عن الإلهام ، تفتقده ، تريد أن تجدد رؤيتك للأمور… الهند بلد يلهم حواسك الخمس من المشهد الأول إلى الطبق الأخير ..

  • مليار وثلاث مئة مليون فرداً
  • ٢٢ لغة
  • ٩ديانات مختلفة 
  • ألاف الثقافات المختلفة
  • لابد أن يكون البلد الأكثر دهشة!
  • أكثر طبق لا ينسى: هو أول مطعم زرناه في مدينة أجرا ( مطعم تاج محل ) خبز النان الهندي الساخن وبرياني لحم الغنم مع التوابل الحارة و قطع السمك المبهرة بالكاري 
  • أكثر مكان مبهر: هو فتح بور أعلى المرتفع على بعد ٢٦ كيلو متراً من مدينة أجرا .. هذه القلعة بضخامتها وارتفاعها وتصميمها تشبه تلك التي نقرأها في القصص الخيالية !

أكثر شعور مدهش:  في كل معلم زرناه من بقايا آثار المغول كانت فنون العمارة غير عادية .. كان الأمر مبهراً ورحلة مليئة بالدهشة ! تاج محل وكأنها شيدت بالأمس وليس قبل مايقرب من 400 سنة .. أعتقد أني محظوظة لأن زيارتي كانت مفاجئة ومن دون أي خلفية تاريخية .

أكثر موقف لا ينسى: عندما دخلنا معبد Temple of Ranakpur, India  إحدى المعابد الهندوسية الضخمة، الواقع ما بين أودايبور وجيبور. بينما ندور و نتأمل تصميم المعبد الرخامي فاجأنا رجل دين هندوسي، بوشاحه البرتقالي. ألقى السلام وسألنا عن اسم عائلتنا واستأذننا بالدعاء لنا، ثم ابتهل إلى الله بصوت جهور ليبارك لنا ويحمينا باللغة السنسكريتية. شاركناه الابتهال ورفع الأيدي بالرغم أننا لم نفهم شيئاً هههههههههههههه.  ( هذا مقطعاً مشابهاً للدعاء على يوتيوب )

ريم الناصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

العودة إلى الأعلى